كتاب أخبار النساء

كتاب ابن الجوزي أخبار النساء والذي يعد الأحد كتب التراث الأدبي الأصيل

كتاب ابن الجوزي أخبار النساء والذي يعد أحد كتب التراث الأدبي الأصيل، تناقلته العرب عبر العصور محاولين انتقاء أجمل ما فيه مراعين التحقيق الجيد. جمع الكتاب الطرف والأشعار والقصص عن النساء وأخبارهن، وحمل الرائق من قصص العشق والعشاق وحكايات الحب العذري الخالدة.

كتاب ظريف فريد في موضوعه، جمعه ابن الجوزي وهو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي رجل علم واسع الثقافة والاطلاع، ألف أكثر من أربعمائة كتاب في مختلف أنواع الفنون والتخصصات. كما أنه كان موسوعيا كبيرا، يحضر مجالسه الملوك والوزراء.

من الواضح من خلال الحكايا الكثيرة التي يرويها "أخبار النساء"، أن العرب - عموماً - تمتعوا برحابة صدر، جعلتهم لا يتزمتون، فلا يقيم واحدهم داخل شرنقة ضيقة تربط الأخلاق بالشدة، ففي صفحات الكتاب نقرأ حكاية الخليفة معاوية بن أبي سفيان مع ابن عمه مروان بن الحكم، الذي أجبر أعرابياً على تطليق زوجته الجميلة، وجاء زوجها الاعرابي مشتكياً لمعاوية، خلاصة الحكاية وحكمتها، يمكن الوقوف عليها في وفاء سعاد ذاتها، التي رفضت مروان ومن بعده معاوية واختارت ابن عمها: "لست والله يا أمير المؤمنين لحدثان الزمان بخاذلته، ولقد كانت لي معه صحبة جميلة، وأنا أحق من صبر معه على السرّاء والضرّاء، وعلى الشدة والرخاء، وعلى العافية والبلاء، وعلى القسم الذي كتب الله لي معه". فعجب معاوية ومن معه من جلسائه من عقلها وكمالها ومروءتها وأمر لها بعشرة آلاف درهم وألحقها في صدقات بيت المسلمين.

من الأبواب الطريفة، ما يضعه إبن قيم الجوزية تحت عنوان باب ما يذكر من عند النساء، وفيه حكايات تحمل الى جانب التسلية شيئاً من الغرابة حيناً، أو من عمق الحكمة حيناً آخر: "قال أبو عبيدة: حجّت امرأة عجير السلولي معه، فأقبلت لا تطرق على شاب في الرفقة إلا وتكشف وجهها، فقال في ذلك:

أيا رب، لا تغفر لعتمة ذنبها

وإن لم يعاقبها العجير فعاقب

حرام عليك الحج لا تطعمينه

إذا كان حج المسلمات الثوائب

وصف النساء، موضوع يخصص له ابن قيم الجوزية باباً مستقلاً، يقع تحت عنوان "باب خلق النساء"، وفيه أوصاف المرأة من سمنة ونحافة وطول. يقول المؤلف: "إذا كانت المرأة ضخمة في تعمد وعلى اعتدال فهي رمجلة، فإذا زاد ضخمها ولم تقبح فهي مسجلة، فإذا كانت طويلة قيل: جارية سبطة وعيطبول، فإذا كانت بها مسحة من جمال فهي جميلة ووضيئة، فإذا أشبه بعضها في الحسن بعضاً فهي حسّانة فإذا استغنت بجمالها من الزينة فهي غانية، فإذا كانت لا تبالي أن تلبس ثوباً حسناً ولا قلادة فاخرة فهي معطال، فإذا كان حسنها ثابتاً كأنها وسمت به فهي وسيمة، فإذا قسم لها خط وافر من الحسن فهي قسيمة.

ومن أوصاف المرأة كلمات صارت علامات على صفات محددة، فيقال الصباحة في الوجه الوضاءة في البشرة. الجمال في الأنف، الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظرف في اللسان، الرشاقة في القد، اللباقة في الشمائل وكمال الحسن في الشعر.

كتاب إبن قيم الجوزية يجمع بين البلاغة وعلم الجمال مع ميل شديد نحو الأدب، والبلاغة وخصوصاً فن الشـعـر، ونـحن من خلال حكاياته الكثيرة الموثقة موثقة من خلال نسبتها الى أصحابها أو رواتها، نقف على سـرديـة ذات فـنّـيـات عـالـيـة المقام.

انه واحد من الكتب النادرة التي لا تتقصد الحكمة، ولا تبحث عنها في صياغاتها المباشرة أو الفجّة، بل هي حكمة تسكن قصص الحياة وحكايات الحب والغرام، كما تسكن ما هو طريف ونادر، وتقدمه في قوالب أدبية راقية لم تكن موجودة لدى كثير من الأمم والشعوب، وهي تشكل - بهذا المقدار أو ذاك - جانباً مهماً من أدب العربي النثري، نظن انه يكمل المقامات فيما لا يغفل دور التاريخ الذي نراه يطل من هذه الحكاية أو تلك ويقدم لنا فكرة عن أيامه الغابرة.

قراءة ممتعة...